الإعلام التونسي.. بين مطرقة الأزمة الهيكليّة وسندان النخب السياسيّة
تناول برنامج ميدي شو اليوم الجمعة 18 مارس 2022 واقع الصحافة والإعلام والتحديات التي تواجهه والحلول إزاء المشاكل التي تعترض القطاع.
وأوضح المدير التنفيذي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين الفاهم بوكدوس أنّ الإعلام يعيش أزمة هيكلية متعددة الجوانب منذ عقود، مضيفا أنّ الانتقال الديمقراطي دعم الفوضى والفراغ إلى جانب سيطرة الحكومة والإشهار على وسائل الإعلام.
وشدّد على أنّ الأزمة تعمقت بعد 25 جويلية، قائلا "المنظومات السابقة عبرت عن اهتمامها بالإعلام لكن بعد تولي قيس سعيد لرئاسة الجمهورية لم يُطرح الإعلام لا في الاستشارة الافتراضية ولا في الأجندة الرئاسية أو الحكومية"، معتبرا أنّ سعيّد واصل نفس السياسات لإنهاك وتعفين وسائل الإعلام، حسب تعبيره.
التلفزة الوطنية أصبحت تشبه الإعلام في كوريا الشمالية
وأقرّ بوكدوس أنّ الغضب الشعبي من الصحافة ظهر في كل دول العالم مع ظهور الشعبوية السياسية لأنهم يعتبرون الصحافيين جزء من منظومة الفساد التي يديرها السياسيون ورجال الأعمال الفاسدين.
وفي سياق متصل، أكّد ضيف "ميدي شو'' أنّ أزمة الإعلام بنيويّة تتقاطع فيها عديد الجوانب من التدريب للإشهار إلى المضامين كما أن المقاربات السلطوية كانت منذ البداية ترقيعية "لهذا اتفقت النقابة ومهنيي القطاع على السياسات العمومية لإنقاذ المؤسسات ماديا حتى لا تبقى تحت رحمة السلطة لتدجينها".
وقال "لا ألوم القطاع الخاص لأن أغلبه من المؤسسات الصغيرة والهشة التي لا يمكنها إنتاج مضامين جيدة خاصة أن سوق الإشهار صغير بل ألوم وسائل الإعلام العمومية الممولة من الدولة.. والسؤال المطروح أين البرامج السياسية التي تنير الرأي العام لان برنامج التلفزة الوطنية الوحيدة عير متوازن ولا يضمن التعددية %78.66...التلفزة الوطنية أصبحت تشبه الإعلام في كوريا الشمالية".
فشل المسار الانتقالي ساهم في فشل الانتقال الإعلامي
أما الأستاذ الجامعي بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار والباحث في الميديا الصادق الحمامي فقد شبّه الإعلام التونسي بالجسد الذي يعاني من أمراض خطيرة يستوجب الخضوع لعمليّة جراحية، مقرّا أنّ مشاكل الإعلام لا تقتصر فقط على التعيينات.
وقال إنّ الانتقال الإعلامي فشل كما فشل المسار الانتقالي "وقد يكون هذا الفشل سبب من أسباب التجربة الديمقراطية..الانتقال السياسي الذي لم ينجح وساهم في فشل الانتقال الإعلامي".
السياسيون دمروا السياسة والإعلام وأفقدوا الصحافة مصداقيتها
ودعا الحمامي إلى ضرورة إعادة النظر في حالة الإعلام المتردية جراء النخب السياسية والسياسات العمومية، معتبرا أن الإشكال لا يتمثل فقط في غياب الإرادة بل أيضا عدم إصلاح الإعلام بشكل متعمّد من السياسيين "لأنهم يرغبون في التعامل مع الإعلام كوسيلة اتصال سياسي وهذا ما أفسد القطاع".
وأشار إلى أن منظومة التعديل التي لم تعزّزها الدولة جعل التعديل ضعيفا مما أدى إلى تحكم السوق في التلفزيون الخاص الذي أصبح يقدم مادّة رديئة كما ان البرامج المعروضة تفسد الذوق العام ولا يمكن مشاهدتها، متسائلا "كيف تدعم الدولة قنوات خاصة تقدم مثل هذا المستوى من البرامج ؟أكثر ما ينتج عن التلفزيون الخاص هو برامج الرداءة".
وقال الأستاذ الجامعي بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار إن السياسيين خّربوا الإعلام بعد السياسة وأصحاب المؤسسات عمقوا بدورهم الأزمة وحولوها إلى مؤسسات تجارية، وفق تعبيره.
وشدّد على أن الصحافة الجيدة أصبحت مهددة بسبب تحالف قوى السياسة والسوق مما أفسد قطاع الإعلام، داعيا إلى إبعاد النخب السياسية عن الإعلام. وقال "حان الوقت اليوم للصحفيين ليقوموا بثورة داخل المؤسسات الخاصة والعمومية حتى يستعيدوا إمكانيات انجاز مهنتهم لأنهم حاليا ممنوعون من إنتاج الصحافة الجديدة لعدة أسباب يطول شرحها".
الإشهار سيطرت عليه اللوبيات والأحزاب
من جانبه أكّد رئيس نقابة الإذاعات الخاصة كمال ربانة أن الإعلام "بصدد الغرق وهو قطاع في اندثار ويعاني من حالة مرضية سريرية تستوجب إنقاذه بسرعة".
واعتبر أنّ المشاكل التي تهدد وجود المؤسسات الإعلامية ليست فقط مادية بل تشمل تنظيم القطاع ككلّ.
وتابع ربانة أنّ "الفوضى الكبيرة التي تشهدها المؤسسات الإعلامية تدفعهم إلى المطالبة بتنظيم القطاع لأن من حقنا التمتع بالإشهار العمومي والتخفيض في الأسعار المشطة التي يفرضها ديوان الإرسال".
وأقرّ رئيس نقابة الإذاعات الخاصة أنّ الإشهار سيطرت عليه لوبيات وأحزاب "ونحن اليوم ندافع عن ذلك ونبذل قصارى جهدنا حتى لا تنساق الإذاعات الخاصة وراء هذا المدّ" وفقا لتعبيره.
ولفت كمال ربانة إلى أن تهافت السياسيين على نهش القطاع الإعلامي والسيطرة عليه من خلال التأثير على الخط التحريري أصبح خطرا يؤثر على ديمومة المؤسسة ويجعل من القطاع هشّا، مستدركا "الإعلام يجب أن ''يبيع" برامج ناجحة وذات جودة والمؤسسات الخاصة لا يمكن إنكار أنها مؤسسة تجارية".
ودعا ضيف "ميدي شو'' إلى ضرورة إصلاح الإشهار العمومي وتوزيعه بعدل بين وسائل الإعلام حسب نسب المشاهدة وتنظيم الإشهار الخاص ضمن قانون محدد.